لسنا في حاجة إلى أمثلة عديدة وتحاليل عميقة للطبيعة البشرية التي تزيف اكتسابها وانفرادها بصفة الإنسانية حتى ندرك اننا في واقع الأمر نفتقد الإنسانية.
نحن عبارة عن مجموعة من القردة التي صعدت بعض الدرجات في سلم التطور والتي جعلت من المدينة غابة يسهل العيش فيها حيث لا وجود لليوتوبيا أو الديستوبيا ولا وجود لقوى الخير والشر. هذا العالم مبني على مفهومين يتكاملان حيناً ويتناقضان أحياناً، لكن لا وجود لأحدهما دون الآخر وهنا اتحدث عن القوي والضعيف. في هذا العالم لا يوجد بشري جيد وبشري شرير بل يوجد بشري قوي وبشري ضعيف.. بشري همجي متوحش وإن عاش في المدينة وإن درس لعشرات السنين وإن إستعمل أحدث أجهزة التكنولوجيا وإن إستمع إلى أغاني الأوبرا.. فإن اقنعته الإنسانية ستسقط عند الحاجة وغرائزه البدائية ستتجلى له ولنا في أبهى حلتها.
الآن فلنتخيل معاً قردة تعيش في المدينة، بعضها يتخذ المترو كوسيلة نقل والبعض الآخر يتذمر من إزدحام الطريق إكس، ترتدي ملابس عصرية أغلبها أوروبية ثم يتباشرون (من كلمة بشر على وزن يتكالبون) إن ناقشتهم في الهوية العربية، تستعمل هواتف محمولة، تقرأ كتباً، تبيع كاكي، تكون ثروة من التسول ("اعطني حتى 500 فرنك راني قرد زوالي كيفي كيفكم براس الخطيبة والخطيب نهير جمعة". "حتى 500 فرنك.." بعد أن أصبح شكل العشر دنانير يشبه شكل الدينار الواحد")، تأكل اللبلابي والكفتاجي عند "الحطاب" أو السوشي والنبيذ الأبيض في "الفاكتوري"، تحرص مبنى، تلبس ربطة عنق، تسرق مبنى، تسرق دولة، تأخذ رشوة، تدخل سلاحاً، تشرب خمراً ثم تلقي القبض على من يبيعه خلسة وتصادر سلعته ثم تشرب خمراً أكثر، تشرب خمراً لكن لا تشربه يوم الجمعة لأن ذلك حرام، تشرب خمراً وتمتنع عنه رمضاناً وتلعن كل من يشربه علناً، تشرب خمراً وتبسمل أولاً وآخراً وتستغفر الله حين تتجشأ، ثم تتساءل لم كل شيء يجعل من قردة سعداء محرم، مجرم إلى أن يأتي يوم تتعاطاه في الجنة لتصبح مكرم؟
نحن قردة نعيش تحت وهم النظام المليء بالشقوق الذي لن نستفيق منه إلا حين نغيب عن الوعي بفعل الكحول أو المخدرات أو بعض من الإفراط في التفكير.