Thursday, January 29, 2015

سمفونية نشوة الحب المبارك



جلسا تحت شجرة ضخمة قد امتدت عروقها إلى ضفاف البحيرة بعد أن انسحبا من حفل صاخب يسكنه أشخاص غرباء مغتربون. 
أخرج سيجارة غريبة الشكل من جيبه. أشعلها وأخذ منها نفساً عميقاً ثم دعاها على "نفسين" دون أن ينبس بكلمة.
نظرت إليه باستعجاب. ابتسمت في خجل وقالت: "لا شكراً. أنا لا أدخن."
كاذبة! هي تدخن في بعض الأحيان عندما تجتمع مع صديقاتها خفيةً وبعيداً عن انظار عيون عاهرة.  
أخذ نفساً عميقاً آخر. هذه المرة بإمكانها أن تستمع إلى الصوت الذي يفتعله ذلك الدخان الرمادي وهو يمر من شفتيه الوردية الصغيرة إلى القصبة الهوائية حتى آخر تفاصيل رئتيه ثم يسلك مرة أخرى نفس الطريق لينفجر في الأخير من أنفه. 
أجابها وهو ينظر إلى آخر البحيرة: ليست سيجارة عادية. 
- ماهي إذاً؟ 
- حشيش.. 
حين طال صمتها إلتفت إليها يتفحص تعابير وجهها فالتقت عينيهما للمرة الأولى منذ أن غادرا الحفل. 
- أتبكي؟؟ 
- لست أبكي. فقط أعاني من مرض الربو والدخان يزعج جسدي المتذمر العنيد. 
إفتكت من يديه السيجارة وقالت له: سأكملها أنا حتى لا تزعج جسدك. فجسدك يهمني. 
فتطلع في وجهها في دهشة ثم أخذ يضحك بجنون. ارتبكت حتى سقطت السيجارة من يدها المرتعشة فأنقذ الموقف وأطفأها. صارت تتفادى النظر في عينيه المحمرتين المرهقتين.
- لم أقصد جسدك. كنت أقصد صحتك.
أخذ يقهقه بجنون مرة أخرى.  
- لا عليك.. 
- أحمق! 
- من الأحمق؟! 
- أنت! أنت الأحمق! 
- أحمق إن لم أقبلك الآن فأنت غاية في الفتنة والجمال وأنت غاضبة. 
- أحمق وجبان. 
- لا تتحديني. قد أفعالها ثم تصفعنني وتشتكي بي إلى صديقاتك النسويات الراديكاليات. 
- ألم أقل لك أنك جبان؟
استلقت على العشب تتوسد أحد جذور الشجرة. فاستلقى بجانبها في صمت. انتهت الحفلة وغادر الجميع وهما لا يزالان يحدقان في السماء في صمت. كل ما بإمكانها سماعه هو صوت الأكسيجان وهو يتصارع مع رئتيه. الصوت يكاد يدفعها إلى الجنون. عليه لعنة عشتار وأفروديت معاً! إنه جد مغري! 
لم تعد تتحمل فقررت أن تكسر جدار الصمت ب "أحمق!" فانهال عليها بقبلات طرية ذابلة عفوية لا نهاية لها. فسكن الليل وساكنيه ليستمعوا في خشوع إلى سمفونية نشوة الحب.

Thursday, January 22, 2015

تمردي


سيف بن هنية*
"و كنت أريد أن أقول لك كلاما كثيرا , لكن لسبب ما , فقدت الرغبة في الحديث و صرت أفترض أني قلت لك كل شيء و صرنا حبيبين و بقينا نرى بعضنا لأكثر من شهر ثم انتهى كل شيء و عدنا الى المربع الأول .
أليس هدا أفضل لنا ؟"
ندى مرابط
"كانت تريد أن تقول له كلاماً كثيراً لكن بسبب ثرثرته وغروره المتزايد أضاعت الكلمات وفقدت الرغبة في محادثته. صارت تلفق الكلمات وتتصنع الإبتسامة حتى تتمكن من مواساته.. حتى تلعب دور الحبيبة المثالية. 
ولم عليها مواساته؟ عليها أن تخلع ثوب كاستر.. ليس كرهاً لسارتر. لكن لأنه لا وجود لهذا السارتر في هذا العالم العقيم. زمان السارتر قد ذهب وولى. أما هي؟ ليست سوى غلطة إلهية. وهو؟ لس سوى شخصية خيالية صنعها عقلها حتى تتعايش مع هذه الكائنات الآدمية التي تحيط كل شبر من نفسها الواهنة ليلاً نهاراً.
عليكما اللعنة. إذهبا إلى الجحيم."

*ستجدون كتابات سيف بن هنية على الروابط التالية:


المومس المجانية


عندما تكون هي ملجأ الجميع ولا ملجأ لها. تبات في العراء وتتلحف البرد. 
(صوت بكاء وعويل)
- لا تشغل بالك. انها سلوى البانية. مومس مجانية.
- مومس مجانية؟! كيف ذلك؟
- سلوى تمارس البغاء. ليس بجسدها. ولكن بقلبها. 
- عاهرة القلب إذاً.
- لا.. ليست بعاهرة. نقوم بإغتصاب قلبها كل ما خانتنا الحياة أو شعرنا بالوحدة والعجز. نجعلها تظن اننا نهتم. نستغل طيبتها ورقة مشاعرها شر إستغلال. نأخذ مرادنا ثم نرحل. 
- لم تلقبونها بالمومس المجانية إذاً؟ 
- لأنها لا تطلب مقابل.. 
يمسح عرق جبينه بمنديله البني الرخيص ثم يكمل: لأننا كل ما قمنا بإغتصاب قلبها عادت من أجل المزيد.. على أمل أن نتغير ولا نتغير. لن نتغير. 
بلهاء..

Sunday, January 18, 2015

إلى روح وسام



البعض من من لا يعرفني في الحقيقة ولا يعرف ضحكتي أو غمازاتي يقول انني سوداوية وكئيبة. دائماً ما يخرجون كتاباتي من اطارها الأدبي ليعطوني دروساً ساذجة عن الحياة. لعلمكم أنا جد مرحة، لطيفة وروحي رشيقة. لكن هذا لا يمنع انني ملكة من ملكات الكآبة. فرق وحيد يفصلني عن المفهوم النمطي للكآبة: أنا التي اتقنها وليست هي التي تتحكم في.
هكذا ستكون كتابتي. هكذا ستكون كتبي. تراجيدية. كئيبة. لن تحتوي كتابتي حكايات ألف ليلة وليلة وهراء المستغانمي وتفاهة السمان. 
لن اكتب كلمات زائفة كاذبة حتى ابعث موجات إيجابية في أرواح كل من يقرأها. لم أزيف الواقع واكذب؟ لم أتجاهل كل تراجيديا تصيب الإنسانية؟ الواقع المؤلم الكئيب أجمل بكثير من آمال وهمية لن يدوم تأثيرها أكثر من دقائق معدودة. تريد التغلب على الوحدة، إجلس لوحدك على مائدة العشاء وضع مرآة أمامك. تريد التغلب على الكآبة، صادقها وستصبح لك خير صديق. تريد التغلب على مخاوفك، واجهها وستتحول الأخيرة إلى مغامرات تعيشها لتطرد الروتين. أما الموت؟ فهو لا يهمني البتة. ليس علي مواجهته أو مصادقته لأنني لا أخافه أصلاً. لا يهمني إن مت اليوم أو بعد 150 سنة لأنني أعلم أن روحي أو بعض روحي ستعود لتسكن جسداً آخر أو أجساد آخرين وستسعى على تحقيق الأهداف التي لم تتحقق في الحيوات السابقة. 
لا يهمني موتي بقدر ما يؤلمني موت الآخرين، عزيزاً كان على قلبي أو لم يكن، قريباً مني كان أو لم يكن.
يحصل أن يطلب البعض من الله عبر صفحة على الفايسبوك أن يكون مثوى فلان الجنة أو أن يلتقط البعض صورة مع جسد فلان الميت وهو مغطى بعباءة بيضاء ويقوم بتنزيلها على الإنستاجرام حتى يعبروا للناس عن مدى حزنهم. ولكن ليس هذا بحزن. 
لا يهمني إن مت أنا أو كنت على وشك الموت. لن أحزن. لن أبكي. لن أصاب بالكآبة. لكن لا تأتيني وتقل لي فلان مات وتنتظر مني أن اكتب تعليقاً أو أن أقول فلترحم السماء فلان. لا تنتظر مني أن أبكي أيضاً. لن أبكي. لكنني سأحزن وسأصاب
 بالكآبة والكآبة معدية. لذلك لا تقل لي فلان مات.

Saturday, January 17, 2015

عقل "فاضي"



كم اتمنى أن يصبح عقلي "فاضي". لا أفكر في شيء ولا حتى اللاشيء. أن أعيش بعيداً عن هذا العالم وان أكف عن كتابة الأخبار الحزينة. هذا فجر نفسه. هذا قتل هذا. هذا إغتصب هذه. هذه تجمدت من البرد. هذا مات من الجوع.. كم اتمنى أن أعيش على شاطئ البحر. كل ما احتاجه هو كرسي والكثير من الكتب لأقع في حب شخصيات خيالية وأعيش مغامرتهم، نشواتهم ومآسيهم. فالمآسي الوحيدة التي لها نهاية هي مآسي الكتب. اصبر يا حبيبي/حبيبتي. ستنتهي مآسيك بعد بضع صفحات. أما أنا.. فمآسي تتجدد بتجدد روحي كل صباح.

Friday, January 9, 2015

إن هم لم يستحقوا الحياة فقل لي بربك من يستحقها؟


حتى إن لم نقتل بعضنا البعض، تثور علينا الطبيعة وتفتك أرواح أطفالنا. هدى وزينب. ماتتا بفعل البرد القاتل. تجمدت الدماء في عروقهما وانسحب الاكسجين من رئتيهما وسط صمت بقية اللاجئين وتجاهل الكائنات الآدمية اللإنسانية. 
حتى إن لم تقتلك رصاصات الغدر بسبب صورة رسمتها أو كلمة كتبتها أو كاميرا حملتها على كتفك بإسم التمرد والحرية، ستثور عليك الطبيعة ويغدرك القدر وتبكيك الآلهة لدقائق معدودات ثم تضحك عليك ضاحكاً هستيرياً. وإنتهى. لا شيء غير ذلك. لا تقوم بشيء آخر. ولا حتى تبدي رأيها. ولا حتى تعرب عن حزنها. لا تجيد هذه الآلهة سوى المشاهدة والنواح. تتغذى على مآسينا ونشواتنا حتى تبقى على قيد الحياة. حتى أنها تجلس على أريكة فخمة وتأكل البوب كورن كل ما وقعت مأساة تهد الإنسان وتزعزع الإنسانية. فنحن بالنسبة لها لسنا سوى شخصيات خيالية. نموت قتلاً. نموت برداً. نموت جوعاً. حتى تستمتع هي. حتى تصل هي إلى حد النشوة.
حتى إن لم يقتلك الرصاص، حتى إن لم يقتلك الجوع والبرد وتجاهلتك الطبيعة أو تناستك، ستتجه أنت إلى أقرب شجرة لوز وستسلمها بملء ارادتك حبلاً وتترجاها حتى تمتص بقايا حياة بائسة من جسدك الواهن. حتى تتخلص من لعنة الشعور.
إن هم لم يستحقوا الحياة فقل لي بربك من يستحقها؟

Thursday, January 8, 2015

عليك اللعنة أيها الكاتب الملعون!



إمكانك في لحظة ما أن تشعر كما لو أنك تملك العالم بأكمله. وفي لحظة أخرى تشعر كما لو أنه لا عالم لك. كما لو أنك ولدت من وحي مخيلة قاحلة. اللاشيء لغتك. اللاشيء هويتك. لا نظام لك. بل العديد من الأنظمة. وكل نظام يدحض النظام الذي سبقه. وفي بعض الأحيان يغتاله. أو يفتك منه سلطته. ليجلس على عرشٍ وهمي ملوث بدماء شهداء حرية، فوضوية وتمرد.
بإمكانك في لحظة ان تشعر كما لو أنك شخصية خيالية خلقت في إحدى كتابات احدهم. غير حر. عبد تطيع أوامر قلم. أو عدة أقلام. مخيلة عاهرة! كاتب أحمق! يتلاعب بمشاعري. يأمرني بأن أشعر بالسعادة حيناً وبالكأبة حيناً آخر. يزرع في قلبي حباً أبلهاً ثم يأمرني فجأةً أن اعتزل الحب. أن أصبح عقلانية. براغماتية. لماذا؟ بدون سبب.
أضحك ضاحكاً هستيرياً حتى يخيل لأمي انني جننت. تتملكني الكأبة فالازم سريري أياماً وليالي حتى يخيل لأمي انني واقعة في حب احدهم. ابنتك غير قادرة على الحب. أنا لا أعرف الحب يا أمي. أو ربما أعرفه عندما أغمض عيني وقت النوم حتى أهرب من ذلك الكاتب الملعون. حتى يكتب "ها قد ذهبت إلى النوم الآن لتنال قسطاً من الراحة" وفقط.
أو ربما أعرف الحب فقط حين يتجلى على أرض واقع الكاتب. ذلك الكاتب الملعون! عليك اللعنة أيها الكاتب الملعون! يا سجين خيالك البائس!
أو ربما أعرف الحب مع بعض التحفظات. وانا لا أريده كذلك يا أمي. لا أريده بتحفظات. أريده بدون حدود. أريده كبيراً بكبر هذا الكون في عيني. أريده أن يعيش على أرض خيال خصب وليس على أرض هذا الكاتب العاهر. أريد أن أتمرد على الكاتب. أريد أن أتمرد على المألوف. أريد أن أحمل هذا القلم بنفسي. أريد أن اجعل من هذا الكتاب شاهداً على النشوة التي تتملكني حين تستوطن الأحلام عقلي كلما أغمضت عيني وتظاهرت بالنوم.