لا أظن أنه هنالك إمرأة صارعت أعاصير و زوابع الحياة المدمرة مثل عمتي، و هاهي الآن عمرها يناهز السبعين و لاتزال واقفة على قدميها. لقد ولدت عمتي لتشهد على الإستعمار الفرنسي لتونس و هو يلفظ آخر أنفاسه الكريهة لتعيش في وسط حوالي 11 أخ و أخت، في ظروف عيش بائسة. لقد ولدت عمتي في مكان قاحل و واهن حيث لا تعليم فيه و لا أمل لحياة أفضل. عاشت فترة المراهقة و هي في إنتظار زوج ليحميها و يهتم بها لكن لم توفق فلقد تزوجت بالرجل الأول ثم سافر إلى الخارج و لم يعد و تزوجت بالرجل الثاني و افترقا في الأخير لتعيش مع أختها العانس (رحمها الله) تحت سقف الوحدة. لا مستوى تعليمي جيد، لا زوج، لا أطفال، لا عمل، تعيشان في منزل المرحوم جدي في "البلاد العربي" بالقيروان وتقتتيان على ما يقدمه لهما اخوتهما في أول كل شهر. ثم ماتت أختها لتحارب في أشنع المعارك ضد الوحدة القاتلة، فباعت المنزل و اشترت منزلا آخر و نصب عليها لتجد نفسها بدون مأوى. لكن كالعادة تجاوزت جميع المصائب الواحدة تلو الاخرى. اليوم أعلمتني أمي أن عمتي تصارع مرضاً خبيثاً و أنهم قرروا أن يخفوا عنها الأمر. عمتي التي قضت حياتها تصلي في المساجد لتبحث عن صحبة الاه أنزل عليها شتى و أقصى أنواع الابتلاءات و المصائب، هاهي الآن تنتظر موتاً وحيداً إلى حين أن يعوضها الإلاه الذي خذلها في الدنيا بما هو أفضل في الآخرة.
No comments:
Post a Comment