جلسا تحت شجرة ضخمة قد امتدت عروقها إلى ضفاف البحيرة بعد أن انسحبا من حفل صاخب يسكنه أشخاص غرباء مغتربون.
أخرج سيجارة غريبة الشكل من جيبه. أشعلها وأخذ منها نفساً عميقاً ثم دعاها على "نفسين" دون أن ينبس بكلمة.
نظرت إليه باستعجاب. ابتسمت في خجل وقالت: "لا شكراً. أنا لا أدخن."
كاذبة! هي تدخن في بعض الأحيان عندما تجتمع مع صديقاتها خفيةً وبعيداً عن انظار عيون عاهرة.
أخذ نفساً عميقاً آخر. هذه المرة بإمكانها أن تستمع إلى الصوت الذي يفتعله ذلك الدخان الرمادي وهو يمر من شفتيه الوردية الصغيرة إلى القصبة الهوائية حتى آخر تفاصيل رئتيه ثم يسلك مرة أخرى نفس الطريق لينفجر في الأخير من أنفه.
أجابها وهو ينظر إلى آخر البحيرة: ليست سيجارة عادية.
- ماهي إذاً؟
- حشيش..
حين طال صمتها إلتفت إليها يتفحص تعابير وجهها فالتقت عينيهما للمرة الأولى منذ أن غادرا الحفل.
- أتبكي؟؟
- لست أبكي. فقط أعاني من مرض الربو والدخان يزعج جسدي المتذمر العنيد.
إفتكت من يديه السيجارة وقالت له: سأكملها أنا حتى لا تزعج جسدك. فجسدك يهمني.
فتطلع في وجهها في دهشة ثم أخذ يضحك بجنون. ارتبكت حتى سقطت السيجارة من يدها المرتعشة فأنقذ الموقف وأطفأها. صارت تتفادى النظر في عينيه المحمرتين المرهقتين.
- لم أقصد جسدك. كنت أقصد صحتك.
أخذ يقهقه بجنون مرة أخرى.
- لا عليك..
- أحمق!
- من الأحمق؟!
- أنت! أنت الأحمق!
- أحمق إن لم أقبلك الآن فأنت غاية في الفتنة والجمال وأنت غاضبة.
- أحمق وجبان.
- لا تتحديني. قد أفعالها ثم تصفعنني وتشتكي بي إلى صديقاتك النسويات الراديكاليات.
- ألم أقل لك أنك جبان؟
استلقت على العشب تتوسد أحد جذور الشجرة. فاستلقى بجانبها في صمت. انتهت الحفلة وغادر الجميع وهما لا يزالان يحدقان في السماء في صمت. كل ما بإمكانها سماعه هو صوت الأكسيجان وهو يتصارع مع رئتيه. الصوت يكاد يدفعها إلى الجنون. عليه لعنة عشتار وأفروديت معاً! إنه جد مغري!
لم تعد تتحمل فقررت أن تكسر جدار الصمت ب "أحمق!" فانهال عليها بقبلات طرية ذابلة عفوية لا نهاية لها. فسكن الليل وساكنيه ليستمعوا في خشوع إلى سمفونية نشوة الحب.