عندما كنت ادرس بالمعهد الثانوي كانت تدرسني استاذة علوم تجريبية أمقت عقليتها و طريقة تفكيرها. كانت تمارس الظلم و القهر على تلاميذها حيث أنها تفرق الأعداد كما لو أنها تفرق الحلوى ليلة الهالوين إلا اننا غالباً ما نتحصل على خدعة. كانت ابنتها تتحصل على أفضل الأعداد بالرغم أن أحد زملائنا في القسم يستحق أعداداً أحسن منها. لكن كل هذا لا يهم الآن فهي ليست الوحيدة التي تقوم بمثل هذه الممارسات. فالكثير من المعلمين و الأساتذة لا يخافون لا من حسيب و لا رقيب. كيف يحاسبون و هم كادوا أن يصبحوا رسلاً. هذا حرام و منافي للدين و الأخلاق. فمهما يبدر عن المعلمين من أخطاء بيداغوجية أو أخلاقية فهم دائماً على حق و التلاميذ على باطل.
نزل البارحة خبر في جريدة إلكترونية تونسية تفيد أن أحد الأساتذة الكرام بإعدادية 3 جانفي بقصر هلال قد قام بالإعتداء على بالعنف على أحد التلاميذ مما خلف كسراً على يد الأخير. أمر من الخبر لأقرأ ردة فعل القراء فكانت الصدمة الكبرى. معضم المعلقين قد تسألوا عن السبب و كأننا نحتاج سبباً حتى نبرر الإعتداء على طفل لم يتجاوز الثانية عشر من عمره. مثلهم مثل الذين يلقون اللوم على الفتاة المغتصبة. "ماذا كانت ترتدي عندما قام الجاني باغتصابها؟ ماذا كانت تفعل في ذلك المكان في ذلك الوقت المتأخر من الليل؟ لو كانت تلبس الحجاب لما قام الجاني باغتصابها. مكانها البيت و ليس الشارع." ذلك هو مجتمعنا، مجتمع العاهات و التخلف و التقاليد، مجتمع تقديس الحاكم، و المعلم و رجل الدين و وضعهم في مكانة الإلاه و الأنبياء و الرسل. مجتمع مبني على النظم العبودية و الطبقية الذكورية. يضعون التلاميذ و العاملين و العابدين و النساء في طبقة العبيد و المعلمين و الرأسماليين و رجال الدين و الرجال في طبقة الأسياد و كله بسم الدين و القيم و الأخلاق.
نفس الأستاذة التي درستني قالت ذات يوم أن النظريات العلمية أكدت أنه بيولوجياً الذكر خلق أذكى من الأنثى. و لولا مجالات "Science & Vie" التي يبتاعها ابي و اطالع بعضاً من مقالاتها من الحينإلى الآخر لصدقت الأمر. و تراني أحاول إقناع صديقتي بأن ما تقوله استاذتنا التي كادت أن تكون رسولاً خاطئ و انني قرأت مقالاً علمياً يفيد أن عقل الذكر مثل عقل الأنثى و أنه حتى و إن إختلف العلماء في ذلك بسبب إعتماد بعضهم على فكرة أن المرأة ناقصة عقلاً فلا يمكن تجاوز أسماء العديد من النساء العبقريات التي غيرن التاريخ بفضل نظرياتهن و إخترعاتهن و كتبهن. و لكن استاذتي لا يمكن أن تكاد أن تكون رسولاً. ليس بسبب ما تقوم به من تجاوزات في حق تلاميذها أو ما تتفوه به من هراء بسم العلم و لكن لأن الدين يحرم على الأنثى أن تكون رسولاً أو نبياً أو أن تحمل أي صفة من صفات القداسة.
كيف لأنثى أن تقوم بإهانة أنوثتها و أنوثة غيرها بمثل هذه السهولة. لا شيء يقهرني أكثر من إمرأة تدافع عن هذا المجتمع الطبقي الذكوري الذي نعيش فيه و لا شيء أكثر خطراً على المرأة غير هذا النوع من النساء اللاتي يجعلن من العبودية و الخنوع و الطاعة معبوداً. فإن العقلية الذكورية متفشية في النساء أساساً قبل الرجال و بعض أسباب هذا الظاهرة هي قلة الوعي و الإستسلام لهذه العقلية و عدم الإعتراف بقضية المرأة. فبإمكاننا أن نجد رجالاً يؤمنون بالمرأة و أمومية المجتمع كما بإمكاننا إيجاد نساء يعشقن الذل و التبعية و الخضوع لرغبات رجالهن بغية الحصول على لقب الزوجة المثالية و إتهام النساء اللاتي يدافعن عن المرأة بالعهر و الفسق حتى يقنعن أنفسهن انهن لسن بخاضعات بل شريفات و هن لا يعلمن أن الشرف شرف الجسد و العقل و القلب معاً و ليس الجسد فقط.